عن أي مجتمع نتكلّم؟

من الصعب جداً أن تنمو وتكبر في بلد مجتمعه محافظ متعلّق بالتقاليد والعادات. من الصعب جداّ أن تبحث عن هويتك الجنسية عن انتمائك، عن من يشبهك، عن من تشترك معه بالأحاسيس وربما الأفكار وأنت في عمر المراهقة، في عمر لا يُخَوِلُكِ أن تدرك ما هو الصح وما هو الخطأ.

تبدأ الأمور دائماً بالسرّ، تشعر بلذّتها دون البوح بها، لا تتفاخر بها كما يفعل أصدقائك الشباب المغايرين الذين يشاركون الجميع من حولهم رواياتهم الأسطورية مع صديقاتهن من الفتيات محاولين إظهار رجولة عجول لا تفهم في قاموسها.  فأنت ليس لديك ما تضيفه، تتصنّع المواقف تارةً و تخلق الروايات طوراً لتبعد عنك شبح التمييز والإضطهاد.

تخاف أن تخبر صديقاً عن شعورك فيشي بك، تخاف أن تخبر أهلك فينبذوك أو يبحثون لك عن طبيب نفسي ليعالجك، تكمل حياتك بالسرّ، تشعر بالذنب بعد كلّ نشوة، تصلّي أحياناً طالباً من الهك أن ينهي مأساتك، تتصارع مع جسدك مع نفسك، تتمزق من الداخل، تتألم، تخاف، تبكي، ترفض هويتك، تبحث عن إرضاء مجتمع طمّاع، تبحث عن صديقة لك، تحاول أن تبني علاقة معها عاجلاً ما تنتهي بالفشل فالشعور مفقود والإحساس لا يخون. بالنهاية تستسلم للواقع، تنهكك المحاولات اليائسة، تضعفك، تظن أنها رمتك على رصيف الأيام التي تمضي وتكشف المستور، تكشف الحقيقة، تكشف أنك لست وحيداً، أنك لست الشاذ بل المجتمع هو الشاذ، أنك لست المريض الذي بحاجة لعلاج نفسي بل عقلية المجتمع هي المريضة، هي المكبّلة بالتقاليد والأعراف البائتة والمستحضرة من العصور الوسطى.

عندها تبدأ برؤية الإختلاف، تدرك أنك مميّز ولست “المنحرف” كما يحلو للبعض أن يصنفك. تبحث عن هوية هذا البعض الذي يصنّف ويحلّل ويجرّم فمن هم؟ من هو هذا المجتمع الذين يريد أن يدينك؟

هل هو السياسي الفاسد والمفسد الذي يهدد ويبطش ويسرق شعبه قبل أن ينادي بتطبيق القانون ومعاقبة المخلّين بهيبة الأمة؟

هل هو رجل الدين الذي يحلّل الكتب الدينية كما يريد ويفتي ويحرّم ويبارك ما يحلو له وينسى وصية الإله بالمحبّة وتقبّل الآخر وعدم التمّييز؟

هل هو الرجل الذي يغتصب زوجته ويمارس معها ما يحلو له من مشاهدات رأها في الأفلام الإباحية منتهكاً جسدها ليحاضر بعدها بالعفّة ويطالب بمحاربة ظاهرة الشاذين جنسياً (أتسائل هنا من هو الشاذ؟)؟

هل هو “المواطن” الذي يهتف لزعمائه الطائفيين ورجال دينه العنصريين؟

هل هي المرأة التي تطالب بحقوق النساء والتي تعذّب خادمتها الأجنبية؟

هل هو التقي والمواظب على الصلاة كل أيام الأسبوع نهاراً والقوّاد ليلاً الذي يعرض أسعار فتياته للسواح العرب كأسعار الخضار والفاكهة؟

هل هو المثلي (أو المثلية) الذي يستعمل منبره الإعلامي ليشتم بال م.م.م.م. (مثليين، مثثليات، متحولين و متحولات، مزدوجي الهوية الجنسية) ويحرّض مستمعيه أو مشاهديه أو قارئيه عليهم مساهماً بإنتشار الهوموفوبيا في كافة أرجاء الوطن؟

المجتمع هو نحن، هو أنا، هو أنت، هذا هو المجتمع، أنت هو المجتمع، أصدقاءك هم المجتمع، فأنت من يمكنه أن يساهم في تغيير هذه العقلية المريضة، في محاربة التخلف، والرجعية. مثليتك ليست عورة أو نقص هي هويتك وبالتالي كيانك، تكلّم عنها دون خجل، حارب من يضطهدها لأنه يضطهدك.

أضف تعليق