أول مرّة

كتبت هذه التدوينة للمشاركة بالonline marathon for equality – equalathon – الذي نظمه مجموعة من مدونيين ال م.م.م.م. في لبنان. يمكنكم قرائتها أيضاً وقراءة غيرها من التدوينات المشاركة في الماراتون على العنوان التالي http://lebidaho.com/

لا أذكر جيداً، أو لربما لا أريد أن أتذكر تلك اللحظات. كنت أناهز الرابعة عشر وكنت تلميذاً في إحدى المدارس المرموقة في مدينتي. تعود بي الذاكرة الى ملعب المدرسة الواسع حيث كنت أتحّدث مع صديقٍ لي عندما اقتربت مني “ميريم” إحدى زميلاتي في الصف. كنت أشعر دائما بإنعجاب ميريم تجاهي، وهي التي لم تكن على استعداد لتفوت فرصة دون أن تبرز إهتمامها بي. كلمتني ميريم عن مجموعة من رفاق الصف كانوا واقفين على مقربةٍ منّا لتخبرني أنّهم يثرثرون ويقولون أنني ” Pédé”. للوهلة الأولى لم أستوعب معنى الكلمة، ساورني الشك ولكن رفضت التصديق، لم أدرك كيف يجب أن تكون ردّة فعلي أو ما الذي يجب أن أقوله، فحاولت الاستفسار منها

–          ما الذي تقصدينه أو يقصدونه بكلمة Pédé؟

–          إنّهم يقصدون أنّك تمارس الجنس مع أبناء جنسك، أيّ أنك تحب الرجال

كان وقع جوابها قاسياً، سمّرني للحظات. مرّة جديدة لم أجد الكلمات لأقولها وهي التي بنظراتها تحاول أن تتطالبني بتبرير أو بتوضيح أوبنفيٍ قاطع أقدّمه مع براهين أو حتى بمواجهة محتّمة معهم لأغسل عار التهمة الشنعاء. شعرت بوحدةٍ وببرودة في كل أنحاء جسدي ولم يكن لدي الخيار سوى مواجهتم. لم أكن في حينها أدرك الكثير عن المثلية الجنسية ولم أكن أعتبر نفسي مثلياً أو Pédé كما حلا لهم أن يسمّوني. لم أكن أعرف ما التبرير الذي يجب أن أشاركه معهم أنا الذي لم أمارس الجنس قط وأنا الذي كنت في حينها أنتظر رؤية ثديي إمرأة على شاشة التلفيزيون لكي أشعر بالهيجان فأنال لذةً بريئة. عند مواجهتم، لم أنل منهم سوى نظراتهم الخبيثة وعيونهم التي كانت تلمع كعيون الذئاب وضحكاتهم الساخرة على أمر لم تقترفه يداي على أمر لم أدركه، على أمرٍ، ولو حصل، لم يكن بالعار. حاولت دفع أحدهم مطالباً باعتذارٍ لم أفلح بالحصول عليه قبل أن أنهي الموضوع وأبتعد عنهم والحزن والغضب يختلجني.

تمالكت نفسي حتى وصلت الى منزلي ودخلت الحمام. وضعت وجهي في الزاوية الملاصقة للباب وأجهشت بالبكاء وبصمت. لم أكن أريد أن تسمعني أمي أو أحد أفراد العائلة. كانت الدموع تنهمر على وجنتي بغزارة مترافقة مع شهقاتٍ متقطعة وخوفٍ ورجفة في اليدين. حاولت البحث في هذه اللحظات العصيبة عن ما أثار حفيظتهم، عن ما جعلهم يسخرون مني ويعايرونني بما لا يدركه وجداني. حاولت أن أسمع نبرات صوتي لأرى إن كانت أنثوية بعض الشيئ أو أتذكر أي تصرفٍ إن كان ملفتاً أو غريباً. لم أجد شيئاً مقنعاً كان يسمح لهم بإهانتي. يومها لم أجد الجواب لم أعرف ما الخطأ الذي ارتكبته.

مرّت الأيام وآثار هذا الحادثة لم تزل، كونها كانت الأولى من نوعه. كانت الأولى من حيث مواجهتي للرهاب الفكري ضدّ المثلية الجنسية من قبل جهلة كما تجري العادة. هذا الرهاب الذي يحميه مجتمعنا بعلمانييه ورجال دينه والذي يغذيه بالتعدي على حقوق الانسان، وبإهانة المثليين والمتحولين جنسياً والذي ينقله بفخرٍ للأجيال المقبلة ليبقى أساساً في تراث العنصرية في بلادي وخوفاً دائماً مما هو مختلف وغريب. أنا اليوم فخورٌ بمثليتي وبحياتي المثلية التي بدأت باختبارها منذ حوالي خمس سنوات ولم أكن أدركها جيداً قبل عمر الثالثة والعشرين. أنا اليوم فخورٌ بأنني أمارس الجنس مع من هم من أبناء جنسي، مع الرجال. أنا فخورٌ أنني أقبل شفاه رجلٍ وأنني أحضنه، وأنني أتشارك معه لحظاتٍ حميمة. لم أعد أهتّم لثديي امرأة كما في السابق بل لقضيب رجلٍ أتلمسه بين يدي في لحظاتٍ مليئة بالشغف والإثارة. أنا اليوم على كامل الاستعداد لأواجه هؤلاء “ألرفاق” مجددأً أو حتى غيرهم لأخبرهم عن مثليتي التي كانوا وعلى الأرجح ما زالوا يعانون من رهابها.

3 آراء حول “أول مرّة

  1. تلك الجزئية من كلامك تحكي كل شيئ
    =============
    “هذا الرهاب الذي يحميه مجتمعنا بعلمانييه ورجال دينه والذي يغذيه بالتعدي على حقوق الانسان، وبإهانة المثليين والمتحولين جنسياً والذي ينقله بفخرٍ للأجيال المقبلة ليبقى أساساً في تراث العنصرية في بلادي وخوفاً دائماً مما هو مختلف وغريب” ..
    =============
    الكراهية أصبحت تملأ القلوب بشكلٍ مُخيف.. لم يعد هناك اختلاف في وجهات النظر بل هناك قتل واهانة وتدمير
    ويمكنك أن ترى هذا واضحًا في كل لحظة وموقف في الحياة … لدرجة بدأت أشك في نفسي ..
    الا يوجد شخص على وجه هذه الأرض يزرع في قلوب ابنائه الخير والمحبة وعدم كره الأخر ولا الهرب ونبذ كل ما هو مختلف …

    شكرا لك على مشاركتنا هذه الكلمات والأفكار والمشاعر .. تبادُلنا لقصصنا وأفكارنا في هذه الحملة فرصة كبيرة ومهمة تطرح وجهة نظر أخرى .. رؤية جديدة لحياة وأشخاص يظن الناس إنهم يعرفون عنهم كل شيئ فوضعوا الأحكام وانتهى الأمر…

    في رأيي جزء كبير من المشكلة بعيدا عن الكراهية التي تغرس في القلوب والعقول بحماس منقطع النظير
    إن الناس لا يعلمون من هؤلاء .. من هم المثليين .. هم لا يعرفون عنهم سوى ما يُحكى لهم في برامج الكراهية المسماه “برامج دينية وبرامج حوار” أو في الافلام والمسلسلات التي تُظهر شخصية المثلي كإنه شخص لا فائدة منه فهو موجود ليكون مادة للضحك لا أكثر ولا أقل
    علينا أن نتحدث في كل مناسبة عن قصصنا وعن تجاربنا في مجتمع LGBT
    حتى لو كان هناك من هو ليس “مثلي الجنس” كما في حالتي ولكني لدي تجربتي الخاصة والتي حاولت أن أحكي عنها ايضا
    التجارب الشخصية تُضفي لمحات انسانية لها تأثير وقوة أكبر من طرح بحوث وحقائق جامدة ..
    أتمنى أنه يوما ما سيستطيع الناس ان يروا الخير في قلوبهم وأن يختاروا المحبة

    • إنني أوافقك الرأي في التعليق الذي شاركتنا به ومن المهم ، كما قلت، أن نتشارك قصصنا وخبراتنا لربما ستساعد من هو بحاجة لأن يسمعها فتعطيه دافع معنوي يكون بأمس الحاجة اليه- أن أشكر مجدداً تعليقك ودعمك لمجتمع ال م م م م وأرجو منك أيضاً أن تشاركنا قصتك، أنا على استعدا على نشرها على مدونتي

  2. شكرا جزيلا على لُطف ردّك ولعرضك الكريم ..

    في الواقع إن تجربتي بسيطة للغاية .. ولكني تعلّمت منها الكثير من الأشياء ولقد حاولت بشكل ما
    أن اوضحها أكثر .. حاولت أن أقول الكثير من الأشياء التي شعرت بها وقتها وحتى اللحظة .. ولكن الكلمات كانت تتصارع داخلي فهناك الملايين منها والأفكار .. وفي النهاية قلت القليل جدا منها

    فقط كنت أتمنى لو أن مشاعري وأنا اكتبها يمكنها أن تنتقل للآخرين وتخبرهم أن كونوا أقوياء وقفوا بجانب أصدقائكم وأحبائكم فالتصريح بالمثلية شيئ خاص وهم كانوا لطفاء وكرماء معنا أن اخبرونا بشيئ يخصهم كهذا

    والحق يقال ان تجربة المشاركة بهذه الحملة كانت فكرة ممتازة .. لقد قرأت أكثر القصص والتجارب التي نشرت
    وفي كل مرة اكتسب معرفة وخبرة جديدة واتفهم مشاعر غريبة عني ولا اعرف عنها شيئ ..
    لهذا اخبرتك إن الحديث الشخصي له تأثير أقوى من الابحاث الجامدة …
    فهي تضعك في قلب الأحداث ..وتجعلك تتفاعل معها بشكل أفضل

    قدرة ان تصف موقف ما قد يجعلني اتفهمك إنك فرد من عائلتي وأتساءل كيف تشعر ياتُرى .. أن نكون عوْن وليس عبء بسبب جهلنا
    للأسف أنا لا أعرف الكثير عن مشاعر صديقي .. نحن لم نتحدث عن هذا
    ولكني أحاول تلمّس الطريق وحدي لأكون صديقة يعتمد عليها كما يتمنى

    الآن وقد انتهت فعاليات الحملة .. أحاول التفكير في طرق يمكنني أن اطرحها على منظمين الحملة ليكملوا شرارات تغيير وجهات النظر الموجودة من قديم الازل لدى الكثيرين … مازلت ارى إننا ندور في نفس الدائرة المغلقة..
    فمن يقرأ عادة هم مثليين او مَن يتعامل بالفعل مع المجتمع المثلي بشكل أو بأخر

    ولكن ماذا عن هؤلاء الذين يروا ان على المثليين ان يهاجروا لبلاد اخرى ويتركوا لهم البلاد؟

    جزء من تغيير وجهات النظر تلك هو ان يعرفوا أنكم بشر طبيعيين تأكلوا وتشربوا وتحلموا بمستقبل وحياة مثلهم
    يجب ان يعرفوا إن ليس مطلوب منهم أن يغيروا قناعاتهم أو يؤمنوا بالمثلية الجنسية أو يكونوا مثليين

    المطلوب هو أن يعرفوا ان المثليين لهم حق الحياة وحق بالارض والبلد مثلهم مثل اي شخص أخر
    وإنه ليس من حق أي شخص بالعالم أن يُهينهم أو يؤذيهم…

    لا اعرف ماذا علينا أن نفعل بالضبط أكثر من هذا .. ولكني مازلت افكر

    اه صحيح انا فتاة … واسم “نيجاي” على الفيسبوك هو معنى اسمي الحقيقي باليابانية
    لسبب ما عندي كذا اسم بالحياة هههههههههههههه
    أمرك لله بقى 😀

    وهذه تدوينتي لو احببت قراءتها ^__^
    http://lebidaho.com/2013/05/07/equalathon-%D8%B5%D8%AF%D9%8A%D9%82%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AB%D9%91%D9%84%D9%8A/

    تحياتي

أضف تعليق